ثم أخبر تعالى عن تزيينه الحياة الدنيا للكافرين الذين رضوا بها واطمأنوا إليها ، وجمعوا الأموال ومنعوها عن مصارفها التي أمروا بها مما يرضي الله عنهم ، وسخروا من الذين آمنوا الذين أعرضوا عنها ، وأنفقوا ما حصل لهم منها في طاعة ربهم ، وبذلوا ابتغاء وجه الله ; فلهذا فازوا بالمقام الأسعد والحظ الأوفر يوم معادهم ، فكانوا فوق أولئك في محشرهم ومنشرهم ، ومسيرهم ومأواهم ، فاستقروا في الدرجات في أعلى عليين ، وخلد أولئك في الدركات في أسفل السافلين ; ولهذا قال تعالى : ( والله يرزق من يشاء بغير حساب ) أي : يرزق من يشاء من خلقه ، ويعطيه عطاء كثيرا جزيلا بلا حصر ولا تعداد في الدنيا والآخرة كما جاء في الحديث : " ابن آدم ، أنفق أنفق عليك " ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا " . وقال تعالى : ( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ) [ سبأ : 39 ] ، وفي الصحيح أن ملكين ينزلان من السماء صبيحة كل يوم ، يقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا . ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا . وفي الصحيح " يقول ابن آدم : مالي ، مالي ! وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، وما لبست فأبليت ، وما تصدقت فأمضيت ؟ وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس " .وفي مسند الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لا عقل له " .
المصدر : تفسير : زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْا۟ فَوْقَهُمْ