قوله تعالى : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) اختلفوا في معنى هذه الآية ، فقال محمد بن إسحاق : هذا حكاية عن المشركين أنهم قالوها وهي متصلة بالآية الأولى ، وذلك أنهم كانوا يقولون : إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفره ، ولا يعذب أمة ونبيها معها ، فقال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - يذكر جهالتهم وغرتهم واستفتاحهم على أنفسهم : " وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك " الآية ، وقالوا " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ثم قال ردا عليهم : " وما لهم ألا يعذبهم الله " ؟ وإن كنت بين أظهرهم وإن كانوا يستغفرون " وهم يصدون عن المسجد الحرام " .وقال الآخرون : هذا كلام مستأنف يقول الله - عز وجل - إخبارا عن نفسه : " وما كان الله ليعذبهم " .واختلفوا في تأويلها ، فقال الضحاك وجماعة : تأويلها وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم مقيم بين أظهرهم ، قالوا : أنزلت هذه الآية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مقيم بمكة ، ثم خرج من بين أظهرهم وبقيت بها بقية من المسلمين يستغفرون ، فأنزل الله تعالى : " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ، ثم خرج أولئك من بينهم فعذبوا ، وأذن الله في فتح مكة ، فهو العذاب الذي وعدهم .قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لم يعذب الله قرية حتى يخرج النبي منها والذين آمنوا ويلحق بحيث أمر . فقال : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " يعني المسلمين فلما خرجوا قال الله تعالى : " وما لهم ألا يعذبهم الله " ، فعذبهم الله يوم بدر .وقال أبو موسى الأشعري : كان فيكم أمانان " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " فأما النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد مضى والاستغفار كائن فيكم إلى يوم القيامة .وقال بعضهم : هذا الاستغفار راجع إلى المشركين وذلك أنهم كانوا يقولون بعد الطواف : غفرانك غفرانك .وقال يزيد بن رومان : قالت قريش إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ، فلما أمسوا ندموا على ما قالوا ، فقالوا غفرانك اللهم ، فقال الله - عز وجل - " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " .وقال قتادة والسدي : معناه : وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ، أي : لو استغفروا ، ولكنهم لم يكونوا يستغفرون ، ولو أنهم أقروا بالذنب ، واستغفروا ، لكانوا مؤمنين .وقيل : هذا دعاء إلى الإسلام والاستغفار بهذه الكلمة ، كالرجل يقول لغيره لا أعاقبك وأنت تطيعني ، أي أطعني حتى لا أعاقبك .وقال مجاهد وعكرمة : وهم يستغفرون أي يسلمون . يقول : لو أسلموا لما عذبوا . وروى الوالبي عن ابن عباس : أي وفيهم من سبق له من الله أن يسلم ويؤمن ويستغفر وذلك مثل : أبي سفيان ، وصفوان بن أمية ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسهيل بن عمرو ، وحكيم بن حزام وغيرهم .وروى عبد الوهاب عن مجاهد : وهم يستغفرون أي وفي أصلابهم من يستغفر .
المصدر : تفسير : وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ