وقوله : ( أفلم يسيروا في الأرض ) أي : بأبدانهم وبفكرهم أيضا ، وذلك كاف ، كما قال ابن أبي الدنيا في كتاب " التفكر والاعتبار " :حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا سيار ، حدثنا جعفر ، حدثنا مالك بن دينار قال : أوحى الله تعالى إلى موسى ، عليه السلام ، أن يا موسى ، اتخذ نعلين من حديد وعصا ، ثم سح في الأرض ، واطلب الآثار والعبر ، حتى تتخرق النعلان وتكسر العصا .وقال ابن أبي الدنيا : قال بعض الحكماء : أحي قلبك بالمواعظ ، ونوره بالفكر ، وموته بالزهد ، وقوه باليقين ، وذلله بالموت ، وقرره بالفناء ، وبصره فجائع الدنيا ، وحذره صولة الدهر وفحش تقلب الأيام ، واعرض عليه أخبار الماضين ، وذكره ما أصاب من كان قبله ، وسر في ديارهم وآثارهم ، وانظر ما فعلوا ، وأين حلوا ، وعم انقلبوا .أي : فانظروا ما حل بالأمم المكذبة من النقم والنكال ( فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ) أي : فيعتبرون بها ، ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) أي : ليس العمى عمى البصر ، وإنما العمى عمى البصيرة ، وإن كانت القوة الباصرة سليمة فإنها لا تنفذ إلى العبر ، ولا تدري ما الخبر . وما أحسن ما قاله بعض الشعراء في هذا المعنى وهو أبو محمد عبد الله بن محمد ابن سارة الأندلسي الشنتريني ، وقد كانت وفاته سنة سبع عشرة وخمسمائة :يا من يصيخ إلى داعي الشقاء وقد نادى به الناعيان : الشيب والكبر إن كنت لا تسمع الذكرى ، ففيم ترىفي رأسك الواعيان : السمع والبصر؟ ليس الأصم ولا الأعمى سوى رجللم يهده الهاديان : العين والأثر لا الدهر يبقى ولا الدنيا ، ولا الفلك الأعلى ولا النيران : الشمس والقمر ليرحلن عن الدنيا ، وإن كرهافراقها الثاويان : البدو والحضر
المصدر : تفسير : أَفَلَمْ يَسِيرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ