تفسير إبن كثير: الآية 8 من سورة التَّحْرِيم


يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ تُوبُوٓا۟ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّـَٔاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ يَوْمَ لَا يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِىَّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَٰنِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَٱغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ

تفسير إبن كثير : القول في تفسير الآية:8 من سورة: التَّحْرِيم


ثم قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ) أي : توبة صادقة جازمة ، تمحو ما قبلها من السيئات ، وتلم شعث التائب ، وتجمعه ، وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات .قال ابن جرير : حدثنا ابن مثنى ، حدثنا محمد ، حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب : سمعت النعمان بن بشير يخطب : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، يقول : ( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ) قال : يذنب الذنب ثم لا يرجع فيه .وقال الثوري ، عن سماك ، عن النعمان ، عن عمر قال : التوبة النصوح : أن يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه ، أو لا يعود فيه .وقال أبو الأحوص ، وغيره ، عن سماك ، عن النعمان ، سئل عمر عن التوبة النصوح ، فقال : أن يتوب الرجل من العمل السيئ ، ثم لا يعود إليه أبدا .وقال الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله : ( توبة نصوحا ) قال : يتوب ثم لا يعود .وقد روي هذا مرفوعا فقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عاصم عن إبراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " التوبة من الذنب أن يتوب منه ، ثم لا يعود فيه " . تفرد به أحمد من طريق إبراهيم بن مسلم الهجري وهو ضعيف ، والموقوف أصح والله أعلم .ولهذا قال العلماء : التوبة النصوح هو أن يقلع عن الذنب في الحاضر ، ويندم على ما سلف منه في الماضي ، ويعزم على ألا يفعل في المستقبل . ثم إن كان الحق لآدمي رده إليه بطريقه .قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن عبد الكريم ، أخبرني زياد بن أبي مريم ، عن عبد الله بن معقل قال : دخلت مع أبي على عبد الله بن مسعود فقال : أنت سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " الندم توبة ؟ " . قال : نعم . وقال مرة : نعم سمعته يقول : " الندم توبة " .ورواه ابن ماجه ، عن هشام بن عمار ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبد الكريم - وهو ابن مالك الجزري - به .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثني الوليد بن بكير أبو خباب ، عن عبد الله بن محمد العدوي ، عن أبي سنان البصري ، عن أبي قلابة ، عن زر بن حبيش ، عن أبي بن كعب قال : قيل لنا أشياء تكون في آخر هذه الأمة عند اقتراب الساعة ، منها نكاح الرجل امرأته ، أو أمته في دبرها ، وذلك مما حرم الله ورسوله ، ويمقت الله عليه ورسوله ، ومنها : نكاح الرجل الرجل ، وذلك مما حرم الله ورسوله ، ويمقت الله عليه ورسوله . ومنها نكاح المرأة المرأة ، وذلك مما حرم الله ورسوله ، ويمقت الله عليه ورسوله . وليس لهؤلاء صلاة ما أقاموا على هذا ، حتى يتوبوا إلى الله توبة نصوحا . قال زر : فقلت لأبي بن كعب : فما التوبة النصوح ؟ فقال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " هو الندم على الذنب حين يفرط منك ، فتستغفر الله بندامتك منه عند الحاضر ، ثم لا تعود إليه أبدا " .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا عباد بن عمرو ، حدثنا أبو عمرو بن العلاء سمعت الحسن يقول : التوبة النصوح : أن تبغض الذنب كما أحببته ، وتستغفر منه إذا ذكرته .فأما إذا حزم بالتوبة وصمم عليها فإنها تجب ما قبلها من الخطيئات ، كما ثبت في الصحيح : " الإسلام يجب ما قبله ، والتوبة تجب ما قبلها " .وهل من شرط التوبة النصوح الاستمرار على ذلك إلى الممات ، كما تقدم في الحديث وفي الأثر : " لا يعود فيه أبدا " ، أو يكفي العزم على ألا يعود في تكفير الماضي ، بحيث لو وقع منه ذلك الذنب بعد ذلك لا يكون ذلك ضارا في تكفير ما تقدم ، لعموم قوله ، عليه السلام : " التوبة تجب ما قبلها ؟ " . وللأول أن يحتج بما ثبت في الصحيح أيضا : " من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر " فإذا كان هذا في الإسلام الذي هو أقوى من التوبة ، فالتوبة بطريق الأولى ، والله أعلم . وقوله : ( عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ) و ) عسى ) من الله موجبة ، ( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه ) أي : ولا يخزيهم معه يعني : يوم القيامة ( نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ) كما تقدم في سورة الحديد .( يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير ) قال مجاهد ، والضحاك ، والحسن البصري ، وغيرهم : هذا يقوله المؤمنون حين يرون يوم القيامة نور المنافقين قد طفئ .وقال محمد بن نصر المروزي : حدثنا محمد بن مقاتل المروزي ، حدثنا ابن المبارك ، أخبرنا ابن لهيعة حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير أنه سمع أبا ذر ، وأبا الدرداء قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أنا أول من يؤذن له في السجود يوم القيامة ، وأول من يؤذن له برفع رأسه ، فأنظر بين يدي فأعرف أمتي من بين الأمم ، وأنظر عن يميني فأعرف أمتي من بين الأمم ، وأنظر عن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم " . فقال رجل : يا رسول الله ، وكيف تعرف أمتك من بين الأمم ؟ قال : " غر محجلون من آثار الطهور ، ولا يكون أحد من الأمم كذلك غيرهم ، وأعرفهم أنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم ، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود ، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم " .وقال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ، حدثنا ابن المبارك ، عن يحيى بن حسان ، عن رجل من بني كنانة ، قال : صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح ، فسمعته يقول : " اللهم ، لا تخزني يوم القيامة " .

المصدر : تفسير : يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ تُوبُوٓا۟ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ


تفسير إبن كثير - تفسير الجلالين - التفسير الميسر
تفسير السعدي - إعراب القرأن الكريم - تفسير البغوي
francaise - Sahih - English - Amazigh
محرك بحث عميق
أي من الكلمات (Any word) كل الكلمات (All words)

موقع القرآن والسنة


Friday, November 22, 2024